نتائج البكالوريا تُظهر تراجع جهة العيون في الترتيب.. والتوضيحات من الأكاديمية متاحة

نتائج البكالوريا تُظهر تراجع جهة العيون في الترتيب.. والتوضيحات من الأكاديمية متاحة

للمرة العاشرة تواليا يعود تلامذة جهة العيون الساقية الحمراء من معركة التحصيل العلمي بخفي حنين، بل وضاع خفاهم في شعاب العودة، بعد أن طاب لهم المقام في ذيل الترتيب وفي مؤخرة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين؛ نتائج جعلت الأسر تضرب أخماسا بأسداس فاغرة الأفواه من هول ما وصل إليه التعليم على مستوى الجهة من نتائج كارثية، مع عجز عن تشخيص مكامن الخلل.

إصلاح المدرسة العمومية بجهة العيون “معركة حاسمة” وجب أن تتضافر لها جهود شركاء مؤسساتيين وجمعويين، ومعترك وجب خوضه بتخطيط مسبق ودراسة وروية، تعالج مكامن الخلل وتسد الثغرات سعيا من الجميع إلى نيل مراتب مشرفة تعكس البنية التحتية والإمكانيات المرصودة، وتنتشل التعليم بالجهة من قاع التصنيف.

وفي كل موسم دراسي تعود المنطقة ـ رغم ما تعرفه الأقاليم الجنوبية من تطور ونموذج تنموي متعدد القطاعات ـ إلى واجهة الجدل التربوي، لتذيلها المتكرر ترتيب الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ما يطرح أسئلة عميقة عن واقع التعليم وأسباب تعثره المزمن واختلالات التوازن بين الاستثمار في البنية التحتية وتحقيق المردودية التربوية.

وبرسم دورة يونيو 2025 لم تتجاوز نسبة النجاح في صفوف التلاميذ المتمدرسين بجهة العيون الساقية الحمراء 47.15 في المائة، فيما لم تتعد 21.53 في المائة لدى فئة الأحرار؛ وهي نسب متدنية بفارق شاسع عن المعدل الوطني الذي بلغ 66.80 في المائة، ما يعمق الهوة بين ما هو معلن من رهانات على الإنصاف المجالي وما هو مسجل فعليا من أداء تعليمي مقلق.

ويرى متتبعون للشأن التربوي أن تكرار التأخر لعقد كامل من الزمن لا يمكن أن يختزل في تراجع ظرفي أو صعوبات موسمية، بل يعبر عن خلل بنيوي عميق يطال المنظومة التربوية، ويستدعي وقفة تقييمية شاملة، تعيد النظر في طبيعة البرامج التعليمية، وجودة التأطير، وواقع الحياة المدرسية، ومدى نجاعة الدعم الاجتماعي والبيداغوجي الموجه للتلاميذ.

وفي وقت تعول الدولة على المدرسة العمومية كرافعة أساسية لإرساء نموذج تنموي قائم على تكافؤ الفر، تجد جهة العيون نفسها أمام تحد تربوي مركب، يستوجب تعبئة فاعلة للموارد والإرادات، والتفكير في حلول جهوية تراعي خصوصية المجال وسياقاته السوسيو ـ ثقافية، وتحسن استثمار الإمكانيات المتاحة لتقليص الفجوة وتحقيق التحول المنشود.

ولأن التصنيف شأن وطني، ويسائل الوزارة الوصية بشأن نجاعة السياسات العمومية التعليمية ومخرجاتها في الأقاليم الجنوبية، ربطت جريدة هسبريس الإلكترونية الاتصال بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، غير أن مصالحها المركزية تحفظت عن تقديم أي توضيحات أو تعليقات بخصوص الأسباب الكامنة وراء تدني نتائج جهة العيون الساقية الحمراء في امتحانات البكالوريا.

وفي خضم الجدل المتواصل حول هذه النتائج أوضحت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين رؤيتها بشأن المؤشرات المقلقة التي طغت على النقاش التربوي الوطني خلال الأيام الأخيرة.

وفي تصريح خص به جريدة هسبريس الإلكترونية قال حمدي كريطى، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة العيون الساقية الحمراء، إن النتائج المعلن عنها لا يمكن قراءتها بشكل معزول عن السياق الوطني، لافتا إلى أن “تقييم الأداء التربوي يجب أن يتم وفق مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الجهة ودينامية اشتغال مختلف الفاعلين”.

وتعليقا على نسبة النجاح في الدورة العادية لامتحانات البكالوريا برسم 2025 التي بلغت 47.15 في المائة في صفوف التلاميذ المتمدرسين، و21.53 في المائة فقط لدى فئة الأحرار، أكد المسؤول الجهوي ذاته أن هذه النتائج لا تعكس قصورا بنيويا، بل تخضع لمعايير دقيقة من حيث جودة التكوين، بالنظر إلى نسبة التلاميذ الحاصلين على معدلات عالية تؤهلهم للولوج إلى المعاهد العليا ذات الاستقطاب المحدود؛ وهو ما يعد مؤشرا نوعيا على الكفاءة وليس فقط الكم.

وتابع كريطى بأن “الامتحان الوطني الموحد هو منظومة تتكون من دورتين، العادية والاستدراكية، لكن أغلب القراءات المتداولة تتوقف عند نتائج الدورة العادية فقط، في حين أن الأكاديمية دأبت على تقييم النتائج النهائية بمنهجية تشاركية تشمل مختلف المتدخلين والشركاء، ضمن تقليد سنوي يروم الوقوف على نقط القوة ومجالات التحسين”.

وفي سياق الجهود المبذولة لتحسين الأداء التربوي سجل المدير الجهوي أن “الأكاديمية أطلقت خلال الأسدوس الثاني من السنة الدراسية الحالية البرنامج الجهوي للدعم التربوي لفائدة تلميذات وتلاميذ السنة الثانية بكالوريا، مستهدفا 6654 تلميذة وتلميذا موزعين على 25 مؤسسة تعليمية، من بينها 15 بالعيون، و4 بكل من بوجدور والسمارة، و2 بطرفاية، فيما بلغ عدد الإناث المستفيدات 3611 تلميذة بنسبة بلغت 54.26 في المائة”.

وبخصوص تعبئة الموارد البشرية أشار المتحدث إلى أن برنامج التعبئة شارك في تنفيذه 377 أستاذة وأستاذا، و99 إطارا إداريا، في تجربة توّجت بتنظيم امتحان تجريبي جرى في الفترة ما بين 20 و22 ماي 2025، بمشاركة 3478 تلميذا وتلميذة، في محاولة لمحاكاة ظروف الامتحان الرسمي وتعزيز الاستعداد النفسي والمعرفي.

ولفت مدير الأكاديمية الانتباه إلى أن الاهتمام بالامتحان الجهوي للسنة الأولى بكالوريا هذا الموسم شكل استثناء، نظرا لأهمية وزنه النسبي في المعدل العام (25 في المائة)، معتبرا أن “هذا الرهان يفرض مزيدا من التعبئة لتحقيق جودة أفضل في نتائج البكالوريا الوطنية برسم السنة المقبلة”.

كما كشف حمدي كريطى أن الأكاديمية تعكف حاليا على تطوير إستراتيجية التوجيه المدرسي، بما ينسجم مع قدرات المتعلمين ويوجههم نحو المسارات المناسبة، خاصة في الأقطاب العلمية، مبرزا أن “الاهتمام بالتعليم الخصوصي يدخل بدوره في تحليل نتائج الجهة، باعتباره مكونا أساسيا في قاعدة المعطيات الرسمية”.

وعن مؤشرات التميز سجلت الأكاديمية حصول حوالي 1300 تلميذ وتلميذة على شهادة البكالوريا بإحدى الميزات خلال الدورة العادية، وهي نسبة مماثلة للعام الماضي، وتفتح أمامهم آفاق الولوج إلى أرقى المعاهد الجامعية بالمغرب؛ ما يعكس – وفق المصرح – نوعا من “الاستقرار في جودة الشهادة، رغم محدودية أعداد المترشحين مقارنة بجهات أخرى”.

وفي جانب ضبط الامتحانات تم الحرص، بحسب مدير الأكاديمية، على “التطبيق الدقيق لدفتر مساطر تنظيم امتحانات البكالوريا، وتفعيل آليات محاربة الغش من خلال الفرق الجهوية والمحلية، في التزام تام بروح القانون الإطار 17.51، الهادف إلى ضمان تكافؤ الفرص والارتقاء بالجودة التعليمية في إطار مدرسة منصفة ومفتوحة للجميع”.

وأنهى كريطى حديثه لهسبريس بالإشادة بمجهودات مختلف الفاعلين في قطاع التربية والتكوين، من أطر تعليمية وإدارية وسلطات عمومية وأسر، داعيا إلى “مواصلة التعبئة الجماعية وتكثيف الجهود من أجل جعل المدرسة المغربية رافعة مركزية للتنمية المستدامة، وأداة لتأهيل الرأسمال البشري وصياغة وعي جديد يساهم في بناء مجتمع المعرفة والابتكار”.