الديون العامة في المغرب: من الزيادة التاريخية إلى تحقيق الاستقرار المالي

الديون العامة في المغرب: من الزيادة التاريخية إلى تحقيق الاستقرار المالي

سجّلت نسبة الدين العمومي في المغرب، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تحولات لافتة؛ بدءًا من مستويات مرتفعة سنة 1990، وصولًا إلى ذروتها التاريخية سنة 2021، قبل أن تبدأ مسارًا تنازليًا تدريجيًا يتوقع أن يستمر حتى 2030، وفق معطيات حديثة لمنصة “ستاتيستا” المتخصصة في البيانات.

وحسب معطيات المنصة، فإن المغرب سجّل خلال سنة 1990 نسبة دين عمومي بلغت 70.48 في المائة من الناتج الداخلي الخام؛ وهي نسبة مرتفعة تعكس في حينها آثار التراكمات المالية والسياسات الاقتصادية التي وسمت مرحلة ما قبل التسعينيات. بعد هذا التاريخ، دخلت البلاد في مسار من التراجع التدريجي لنسبة الدين العمومي، حيث شهد عقد التسعينيات منحى نزوليا رغم بعض الارتفاعات العابرة، ليستقر الدين في حدود 42 في المائة من الناتج الداخلي الخام بحلول سنة 2008؛ وهو أدنى مستوى تسجله البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية.

غير أن اندلاع الأزمة المالية العالمية في سنتي 2008 و2009 مثّل منعطفا جديدا، إذ عادت نسبة المديونية إلى الارتفاع، واستمر هذا الاتجاه التصاعدي لسنوات عديدة، حتى بلغ الدين العمومي ذروته في سنة 2020، حين لامس مستوى 72 في المائة من الناتج الداخلي الخام؛ وهو ما شكّل مؤشرا مقلقا دفع عددا من الخبراء إلى دق ناقوس الخطر بشأن استدامة المالية العمومية.

تُظهر المعطيات المستقاة من منصة “ستاتيستا” أن المغرب يتجه حاليا نحو مرحلة من الانضباط المالي النسبي، حيث تعكس البيانات والتوقعات المستقبلية منحى تراجع تدريجي في نسبة الدين، من 72 في المائة سنة 2022 إلى ما دون 65 في المائة في أفق سنة 2030. ويمكن تفسير هذا التراجع بعوامل مجتمعة عديدة؛ أبرزها استئناف النمو الاقتصادي بعد الانكماش الذي فرضته جائحة كوفيد-19، إلى جانب تفعيل إصلاحات ضريبية ساهمت في تحسين مداخيل الدولة، بالإضافة إلى تراجع نسبي في نسب الفائدة على المستوى العالمي، فضلا عن تحكم أكبر في النفقات العمومية، وخصوصا تلك المرتبطة بدعم المواد الأساسية.

وعلى الرغم أن المنحى العام يشير إلى انخفاض تدريجي في حجم الدين مقارنة بالناتج الداخلي الخام، فإن وتيرة هذا الانخفاض تبقى بطيئة نسبيا؛ وهو ما يدل على أن المغرب لا يزال يواجه صعوبات بنيوية في خفض المديونية بشكل أكثر سرعة وفعالية.

وتكشف هذه المعطيات أن البلاد توجد في مفترق طرق حاسم، بين الحاجة إلى مواصلة الإنفاق الاجتماعي والاستثماري من جهة وبين ضرورة الحفاظ على توازن واستدامة المالية العمومية من جهة ثانية؛ وهو ما يجعل التحدي الحقيقي في السنوات المقبلة متمثلا في القدرة على تحويل الدين العمومي إلى أداة لدعم الإنتاج وتعزيز النمو، بدل أن يظل مجرد وسيلة لتغطية العجز المتكرر.