المفوضية الأوروبية تعزز الثقة في الجوانب المالية للمغرب وتدعم الاستثمارات الخارجية.

المفوضية الأوروبية تعزز الثقة في الجوانب المالية للمغرب وتدعم الاستثمارات الخارجية.

في مؤشر متجدد على ترسيخ ثقة المنتظم العالمي وعدد من التكتلات الاقتصادية في النظام المالي للمملكة وجاذبية الاستثمارات الأجنبية غاب المغرب عن التحيين الأخير لقائمة “الدول عالية المخاطر” على صعيد غسل الأموال، الذي اعتمدته المفوضية الأوروبية، الثلاثاء، محدّثة بذلك قائمة البلدان عالية المخاطر لتعزيز مكافحة الجريمة المالية على الصعيد الدولي، التي تضمنت الجزائر وموناكو ولبنان، إلى جانب بلدان أخرى.

ويأتي هذا ضمن مسار ترصيدٍ للمكتسبات والتقدم المحرز بعد أن خرج المغرب من مسلسل المتابعة المعززة أو ما تعرف بـ”اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (GAFI)” في فبراير 2023، وذلك بعد تقييم إيجابي أفضى إلى مكاسب جنَتْها المملكة على مستوى تصنيفها وموقعها التفاوضي أمام المؤسسات المالية الدولية؛ ما لم تُخطئه عيون عدد من أكاديميّي الاقتصاد ومحللي المال والأعمال، ممن تحدثت إليهم هسبريس.

وفي مقابل غياب المغرب عن قائمة الدول التي “تحتاج إلى مراقبة إضافية لضوابط غسل الأموال المعتمَدة فيها” أُضيفت لها دول من الجوار الإفريقي، ما يسهم في إشعاع المملكة وتميّز منظومتها المالية.

والتحقت بالقائمة عالية المخاطر الجزائر وأنغولا وساحل العاج وكينيا وناميبيا، مقابل حذفِ كل من الإمارات والسنغال وجبل طارق وجامايكا وبنما والفيليبين وأوغندا.

وطلبت المفوضية من كيانات الاتحاد الأوروبي المشمولة بإطار مكافحة غسل الأموال “تطبيق اليقظة المعززة في المعاملات التي تشمل هذه البلدان؛ وهذا أمر مهم لحماية النظام المالي للاتحاد الأوروبي”، بتعبير بيانها.

واستحضر خبراء الاقتصاد، ضمن حديثهم للجريدة، “تجديد المغرب التزامَ سلطاته المالية القويّ بمواصلة تحصين المكتسبات المحققة على صعيد حماية النظام المالي الوطني”، وتعزيز مكانته الدولية وقوّته التفاوضية.

ولم يُخف تقرير مجموعة “GAFI”، قبل سنتين، إثر زيارات ميدانية قادَتْ خبراءها إلى المغرب، “تثمين وتقدير وفاء المملكة المغربية التام بكل التزاماتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في الآجال المحددة”، منوهة بتنفيذ العمليات الهادفة إلى تعزيز مطابقة ونجاعة النظام الوطني لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

زيادة الثقة

زين الدين عبد المغيث، أستاذ المالية العامة والتشريع الضريبي بجامعة مولاي إسماعيل- مكناس، قرأ في “تحديث مفوضية الاتحاد الأوروبي من خلال مديريتها الخاصة للشؤون المالية والاستقرار المالي قائمتها التي لم تضم المغرب إلى لائحة الدول ذات المخاطر العالية معطىً إيجابيا، يصب في صالح تقوية مصداقية المغرب المالية الدولية”، راصداً أنها “تحسنت، بشكل ملموس، منذ زيارة ميدانية لمجموعة العمل المالي إلى المغرب في يناير 2023، أظهرت التزام الرباط بالمعايير الدولية والإقليمية المعمول بها”.

وقال عبد المغيث، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “الجهود الوطنية مع تنسيق السياسة بين السلطات المالية ومختلف أجهزة الرقابة والتدخل ذات الشأن والمصلحة ساهمت في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المغرب، وتعزيز الانضباط المالي”، مستحضرا “تفاصيل تقرير مجموعة العمل المالي الذي أشاد بالتزام المغرب بمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.

وأضاف أستاذ المالية العامة أن “المملكة تجني حاليًا نتيجةَ انضباطها السياسي والاقتصادي المدشَّن في السنوات الأخيرة”، منوها إلى أن “التحسينات المالية عززت صورة المغرب وقدرته التفاوضية أمام المؤسسات المالية الدولية؛ ولا أدَلَّ على ذلك مِن إضافة الاتحاد الأوروبي دولا أخرى للقائمة عالية المخاطر مثل الجزائر ولبنان”.

واعتبر المتحدث ذاته أن “التحديث الأخير من المفوضية الأوروبية المعنية بالشؤون المالية دليلٌ قاطع على التزام المغرب بتعزيز المنظومة المالية، واستمراره في العمل على مكافحة الجرائم المالية المنَظَّمة”، موردا أن “ذلك يتم عبر إجراءات تتماشى مع تطور المعايير الدولية ذات الصلة”.

وعلّق عبد المغيث: “الالتزام المغربي يعكس إستراتيجية مؤسساتية الطابَع طويلة الأمد، الهدف منها حمايةُ النظام المالي الوطني من الجرائم المالية، مع سعي حثيث إلى تعزيز مكانته في النظام المالي الدولي”، وختَمَ: “التحديث الأوروبي يدل على التزام المغرب القوي بالمعايير الدولية، وشهادةٌ في حق جهوده لتحسين موقعه في الساحة المالية العالمية بين مصافّ البلدان الخالية من المخاطر”.

الأمن المالي

أكد بوزيان دعباجي، أستاذ باحث في العلوم الاقتصادية والشؤون المالية، أن “عدم تصنيف المغرب ضمن الدول عالية المخاطر في غسل الأموال يشير إلى الأمن المالي الذي تتمتع به المملكة”، مشددا على أن الأخير “حافز قوي لجذب الاستثمارات الجادة”.

وأضاف دعباجي، مصرحا لهسبريس، أن “هذا الوضع له تأثيرات إيجابية كبيرة على الاقتصاد المغربي، الذي حدد من أهدافه جلب الاستثمارات الساعية إلى تطوير التنمية الاقتصادية والاجتماعية”، راصدا أن “الحرص والاهتمام المغربي يركز على بناء اقتصاد قوي ومستدام”.

كما أكد أستاذ الاقتصاد أن “النظام المالي المغربي لا يشجّع على تحويل الأموال بطرق غير آمنة، فيما الجهود المغربية تؤكد التزامها بالمعايير المالية الدولية”، لافتا إلى أن “الوضع المالي المستقر يعزز من سمعة المغرب في الأوساط الاقتصادية العالمية، ويدفع بالأمن المالي ليكون جزءًا من الإستراتيجية الشاملة لتحقيق التنمية المستدامة في المملكة”.

“يمكننا كذلك قراءة ذلك بأن المغرب يتوفر على كافة الضمانات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على المستوى العالمي، التي تجعل منه واجهة اقتصادية ومالية ذات قدرات عالية في الاستثمار الجاد الذي يسعى إلى التنمية الاقتصادية والمالية”، يورد المصرح للجريدة، مبرزًا أن “هذا التصنيف يعطي مصداقية كبرى للهيئات المالية المغربية وتواجدها في أسواق الرساميل العالمية كسوق نامية، لكنها كذلك بمؤشرات تحافظ على الأمن وتشكل ثقةً للمستثمرين”.

وختم المتحدث قارئاً في تحيين الأوروبيين إشارةَ إلى أن “المغرب يضع الأسس واللبنات الكبرى لمحاصرة كل العمليات المالية المشبوهة، ويشكل ضمانات للاستثمار الدولي وضمانات اقتصادٍ ذي تنمية مستدامة”.