مخيمات تندوف الجزائرية تصبح مركزًا لعناصر الجماعات المتطرفة.

في ظل تأكيد عدد من التقارير والتحقيقات عن وجود ارتباطات عميقة بين جبهة “البوليساريو” والحركات الإرهابية المتطرفة في منطقة الساحل، وتحول مخيمات تندوف الواقعة على الأراضي الجزائرية إلى مرتع لتفريخ الإرهابيين الذين ينشط عدد منهم في عديد التنظيمات المسلحة المنتشرة في المنطقة، أكد حقوقيون أن تدهور الأوضاع الإنسانية وتفاقم الأزمات الأمنية داخل مخيمات تندوف وتزايد القمع وغياب الفرص الحقيقية أمام شباب المخيمات كلها عوامل تدفع بهم نحو التطرف والانخراط في الجماعات الإرهابية.
وأشار الحقوقيون الذين تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية إلى مسؤولية الجزائر وقيادات الجبهة الانفصالية في تندوف على الوضع المأساوي داخل المخيمات الذي يزيده سوءا غياب أفق الحل السياسي للنزاع الإقليمي حول الصحراء؛ وهو ما يجعل من الشباب فريسة سهلة لأفكار التطرف والإرهاب وللتنظيمات المسلحة التي تنشط في منطقة الساحل والصحراء.
في هذا الصدد، قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة «أفريكا ووتش» ونائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، إن “ما يشغل بال الغرب وأجهزته الاستخبارية في الوقت الحالي هو تنامي تنظيمات جهادية في منطقة الساحل وحيازتها مناطق نفوذٍ واسعة، في إطار استراتيجيات للزحف على منطقة المغرب العربي، مستفيدة من تآكُل أنظمة ديكتاتورية وفراغات أمنية بمنطقة تندوف التي تحتضن مخيمات الصحراويين منذ 1975، على إثر نزاعٍ مفتعَل لتقويض جهود المملكة المغربية لاستكمال وحدتها الترابية من طرف الجزائر”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “تقارير عديدة تؤكد توسع التنظيمات الجهادية بمخيمات تندوف، ولا سيما تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا، وتبوؤ عناصر من المخيمات مناصب قيادية في ذلك التنظيم، بسبب التراخي الأمني الجزائري في حماية حدودها ومراقبة الوضع الأمني بالمخيمات، وترك تلك الاختصاصات لتنظيمٍ عسكري محلي يوصف بارتكاب أعمال عنفٍ شديد داخل المخيمات، وتتقاطع مصالحه مع جماعات الاتجار الدولي في المخدرات وبيع الأسلحة والمساعدات الإنسانية على طول الحدود الجزائرية‑الموريتانية؛ بما في ذلك منطقة لبريكة الاستراتيجية التي أغلقها الجيش الموريتاني منذ أسبوعين تقريبا”.
وأبرز الفاعل الحقوقي نفسه، في تصريح لهسبريس، أن “عدم تجفيف منافذ تحرك هذه التنظيمات الجهادية من شأنه أن يعمق انتشار فكرها في مخيمات تندوف في ظل انعدام أي أفقٍ لحل نزاع الصحراء ورَهن مستقبل الصحراويين المحتجَزين بالمخيمات، وإغلاق أي فرصة أمامهم للبحث عن عملٍ أو امتهان التجارة المعاشية؛ بل وتعريض الكثير من شباب المخيمات لعمليات قتلٍ خارج نطاق القضاء أو للتعذيب على خلفية بحثهم عن مصادر رزقٍ لكسب قوت عائلاتهم”.
وتابع أن “تلك الإجراءات القسرية التي تنفذها وحدات الجيش الجزائري وعناصر أمن “البوليساريو” هدفُها استدامة بقاء المخيمات وساكنيها ما لم تحقق الجزائر أهدافها في المنطقة في ظل صراعها مع المغرب على النفوذ في شمال أفريقيا».
وأضاف أن “الوضع داخل المخيمات يتيح فرصة سانحة لتصاعد المد الجهادي، وقد يكون التجنيد في تلك الجماعات أمرا جاذبا لشباب المخيمات أمام سياسة تكميم الأفواه والقمع الشديد للأصوات المعارضة وانعدام أية شروط للعيش الكريم”.
واعتبر أن “هذا الوضع يزداد خطورة لأن المخيمات تقع خارج رادار مراقبة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، وتشتهر بانتشار أنشطة التهريب الدولي للمخدرات والاستخدام المفرِط للأسلحة النارية، ومن شأن عدم ضبط تلك الأنشطة غير المقننة خلق نواةٍ للتجنيد في الجماعات المسلحة التي تسعى إلى إحداث تغييرات جوهرية في دول المنطقة ومحيطها الإقليمي، بما يشمل جنوب القارة الأوروبية؛ وهو ما يؤرق شبه الجزيرة الإيبيرية، ويجعل من ملف الأمن في منطقة الساحل والصحراء ومخيمات تندوف أولوية للنقاش والتحرك السريع، سواء داخل إسبانيا أم الاتحاد الأوروبي أم حتى اجتماعات حلف الشمال الأطلسي”.
من جهتها، قالت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، إن “التقرير الاستخباراتي الإسباني الأخير كشف عن معطيات مخيفة حول تمدد الجماعات الإرهابية المتطرفة في منطقة الساحل والصحراء”.
وأضافت لغزال، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “العديد من التقارير نبهت سابقا إلى وجود نشاطات مشبوهة لتنظيمَي القاعدة وداعش، وهما جهتان أكثر قدرة على تنفيذ هجمات إرهابية عبر خلايا منظمة أو عناصر منفردة، بما يتيح لهما حرية أكبر في التحرك والاندماج في المجتمعات المحلية والتأثير في الفئات المستهدَفة، ولا سيما الشباب”.
وتابعت الفاعلة الحقوقية نفسها أن “تلك العناصر المنفردة والخلايا التي تحولت إلى التطرف ذاتيا أو تأثرت بالفكر الجهادي انساقت مع توجهات تلك التنظيمات الجهادية نظرا لجو القمع والتضييق السائد في مناطق النزاع أو في دول لا تعير قضايا حقوق الإنسان والحريات أية أهمية؛ كالجزائر ومخيمات تندوف”.
وذكرت المتحدثة ذاتها أن «فضاء المخيمات يمثل مكانا مناسبا لاستنبات تلك الأفكار المتطرفة وتربة خصبة لتجنيد الآلاف من الشباب المحرومين من أبسط الحقوق والحريات، والعاجزين عن مزاولة مهنٍ تضمن عيشا كريما لأسرهم، في ظل انخراط قيادات “البوليساريو” في عمليات غير قانونية واسعة النطاق تتعلق أساسا بتهريب المساعدات الإنسانية وحماية جماعات الاتجار الدولي في المخدرات وتسهيل مهام الجماعات الجهادية داخل المخيمات، كما وقع في حالة اختطاف الإسبانيين العاملَين في مجال الدعم الإنساني”.