نتائج “اجتماع مكافحة الفساد في القطاع المالي” المتعلقة بقطاع التأمينات

نتائج “اجتماع مكافحة الفساد في القطاع المالي” المتعلقة بقطاع التأمينات

تحت مجهر التحليل الدقيق، وضع محللون للشؤون الاقتصادية والمالية بالمغرب مخرجات “الاجتماع السنوي الخامس لتتبع اتفاقية التعاون لمكافحة الفساد في القطاع المالي” بالمغرب، المنعقد الأربعاء.

الاجتماع، حسب المعلن رسميا، كان فرصة لاستعراض حصيلة تنفيذ الاتفاقية برسم الفترة المنصرمة 2024-2025 واعتماد خارطة الطريق للفترة 2025-2026، وكذا لمناقشة “التطورات المستجدة في مجال الوقاية من الفساد ومحاربته على الصعيدين الوطني والدولي”، وفق ما أفاد بلاغ مشترك عن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وسلطات القطاع المالي الثلاث: بنك المغرب، والهيئة المغربية لسوق الرساميل، وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي.

وأعلنت الهيئات، وفق أبرز المخرجات التي توصلت بها هسبريس، أنها بصدد الانتهاء من إنجاز مشروع يهدف إلى تقييم مخاطر الفساد في قطاع التأمينات، بالتعاون مع خبراء منظمة الأمم المتحدة. فيما استعرض المجتمعون “النتائج الأولية لهذا المشروع”. كما تم “إطلاق مشروع مماثل في قطاع سوق الرساميل، يتوقع استكمال أشغاله بحلول سنة 2026”.

أما “خارطة الطريق للفترة 2025-2026″، فسترتكز جهود التعاون على مواصلة تعزيز القدرات وترسيخ ثقافة النزاهة، والمشاركة الفعالة في المبادرات والفعاليات المتعلقة بمجال التوعية وتبادل الخبرات.

العمل يطال “إنجاز خطط العمل المنبثقة عن خرائط مخاطر الفساد ووضع التأطير المناسب لتدبير هذه المخاطر في قطاعي التأمينات وسوق الرساميل، على غرار ما تم إنجازه في القطاع البنكي”.

“تناسق استراتيجي”

محمد عادل إيشو، أستاذ جامعي في علوم الاقتصاد والتدبير، قال إن خلاصات الاجتماع سالف الذكر تعكس “دينامية مؤسساتية ناضجة تكرّس مسارا متقدّما لترسيخ قيم النزاهة والحكامة الرشيدة في بنية النظام المالي الوطني”، قارئا فيها إبرازا لمستوى متزايد من التناسق الاستراتيجي بين سلطات التنظيم المالي وهيئة النزاهة، مما يعد مؤشرا واعدا على جدية تنزيل خارطة الطريق 2025-2026”.

وعدّد إيشو، ضمن تصريح لهسبريس، أربعة محاور تحليليّة مترابطة تجمل قراءته للمخرجات.

الأول هو “بداية تعزيز رأس المال البشري كرافعة للتغيير المؤسسي”؛ إذ يعكس استهدافُ أكثر من 1600 إطار ومسؤول ببرامج تكوينية متخصصة في مكافحة الفساد توجها ممنهجا نحو بناء قدرات داخلية مستدامة. هذا التحول من المقاربات الظرفية إلى الاستثمار في الرأسمال البشري يدل على وعي عميق بأن الإصلاح المؤسسي لا يستقيم دون ترسيخ الكفاءة والنزاهة في سلوك الأطر. ومن منظور اقتصادي، هذا المسار يرسّخ كفاءة الأداء المؤسساتي، ويعزز مناعة البنية المالية أمام المخاطر غير المرئية التي تضعف جودة التدبير والتوزيع العادل للموارد”.

المحور الثاني يهم الانتقال إلى “حكامة قائمة على تحليل المخاطر”. وقال إيشو: “يشكل إدماج أدوات تحليل المخاطر في قطاعي التأمينات وسوق الرساميل تحوّلا نوعيا نحو سياسات مرتكزة على الأدلة (evidence-based policies)، مستحضرا “التعاون مع خبراء دوليين، ما يعزز مصداقية هذه العمليات، كما يمكّن من مواءمة الممارسات الرقابية مع المعايير الدولية، ويسهم في تقليص كلفة الفساد الكامنة وتأمين البيئة الاستثمارية”.

وأضاف أن “توسيع نطاق التعاون ليشمل المهنيين والمجتمع المدني، من خلال ورشات تطبيقية وشراكات مع المؤسسة المغربية للثقافة المالية، يعكس وعيا بضرورة إشراك كل الفاعلين في بناء ثقافة النزاهة”، ما يدفع لتقليص فجوة الثقة بين المواطن والمؤسسات، ويؤسس لثقافة تنظيمية موحدة القيم.

ويتضح من مضامين خارطة الطريق 2025-2026، وفقا للمصرح ذاته، أن “التركيز انتقل إلى تفعيل خطط العمل المنبثقة عن تقييمات المخاطر وتكريسها ضمن السياسات القطاعية”، مبرزا كونها “انتقالا من مقاربة إصلاحية تجريبية إلى أخرى ذات طابع استراتيجي مؤسسي” على المستوى الاقتصادي، “يمكن لهذا المسار أن يرفع من منسوب ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية، بفضل توفر بيئة تنظيمية شفافة ومستقرة”.

ورغم الجهود المبذولة، فإن “غياب مؤشرات نوعية لقياس الأثر الملموس للإجراءات على جودة الأداء المالي يحدّ من نجاعة التقييم المؤسساتي”، يلاحظ الخبير الاقتصادي، منبها إلى كون “ضعف الربط بين التدخلات التكوينية والتحولات الهيكلية في تدبير المخاطر قد يفرغ المبادرات من مضمونها الإصلاحي على المدى المتوسط”.

واستشرف أنْ “تحتّم التحولات الرقمية الراهنة ومخاطر الابتكارات التكنولوجية (كالأصول المشفرة والذكاء الاصطناعي) تطوير منظومة رقابية استباقية، مبنية على استخدام البيانات الضخمة والتحليل الآني للمعاملات. كما أن ضمان استدامة الإصلاحات يقتضي دمج بعد الشمول المالي والعدالة الاجتماعية، من خلال سد الفجوات التنظيمية التي قد تسمح بتغلغل الفساد في الفئات الهشة وغير المهيكلة”.

ثلاثة استنتاجات

وضع حسن العرفي، أستاذ المالية العامة بجامعة محمد الخامس بالرباط خبير اقتصادي معتمد، اتفاقية التعاون لمكافحة الفساد في القطاع المالي “في إطار التزام المغرب بتعزيز الشفافية والنزاهة داخل المنظومة المالية، استجابة لتوصيات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (التي صادق عليها المغرب سنة 2007)، وكذلك تماشيا مع توجهات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وخارطة الطريق الوطنية لإصلاح القطاع المالي”.

وقال شارحا لهسبريس: “تزايدت أهمية هذه الاتفاقية بفعل تعقيد المعاملات المالية وارتفاع مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ما تطلّب تعاونا مؤسساتيا وثيقا بين مختلف سلطات الرقابة المالية ومؤسسات الحكامة”.

محللا مخرجات الاجتماع الخامس، اعتبر العرفي أن “طبيعة المخالفات المرصودة” تتمثل في “تضارب المصالح لدى بعض المسؤولين داخل المؤسسات المالية (كمنح امتيازات أو تمويلات غير مبررة) وإخلالات في الشفافية في بعض عمليات التمويل أو الإدراج في البورصة”.

كما ذكر “عمليات مالية مشبوهة لم يتم التبليغ عنها رغم وجود مؤشرات غسل الأموال”، أو “تقصيرا في واجب التصريح بالمصالح والارتباطات المالية لبعض المسؤولين”.

واستنتج خبير المالية العمومية ثلاث خلاصات دالة؛ أولاها أن “ارتفاع عدد الحالات المبلغ عنها يفسر من جهة بفعالية التنسيق بين الهيئات، ومن جهة أخرى بإدماج آليات الإنذار المبكر داخل نظم الرقابة”.

وأبرز أن “تنوع طبيعة المخالفات يعكس تعدد مصادر الفساد (سلوكية، تنظيمية، أو مرتبطة بنقص الحوكمة)”، ملاحظا أن “التدابير التصحيحية تبقى في غالبها وقائية وإدارية، وهو ما يفرض مستقبلا تعزيز الجانب الزجري”.