ارتفاع حالات التحرش بالأطفال: مشكلة تفوق العقوبات المتخذة ضدها

ارتفاع حالات التحرش بالأطفال: مشكلة تفوق العقوبات المتخذة ضدها

مؤلمة هي قصص التحرش بالأطفال، لا بل مقززة. والمخيف أن هذه الآفة الخبيثة تزداد في لبنان من دون أي رادع حقيقيّ. فقصة كل طفل يتعرض لهذا الجرم هي صرخةٌ صامتةٌ تتردد أصداؤها في ضمير كل إنسان، ودعوةٌ ملحةٌ للوقوف في وجه هذا الشر المستشري.

كثيرة هي قصص الأطفال الذين تعرضوا لهذه الجريمة. فبين عصابة “التيكتوكرز” التي تستدرج الأطفال وتغتصبهم، وتحرّش موظفين وأساتذة في إحدى المدارس بعدد من الطالبات، وصولاً إلى عادة التحرش الجماعي التي طالت عدداً من أطفال الصف الأول الأساسي خلال رحلة مدرسية ،جرائم عدة يتم الكشف عنها في الفترة الأخيرة.

 

ومع هذا الكمّ الكبير من الجرائم الأخلاقية، ازدادت التوعية بعد سنوات من الصمت، فبدأت قضية التحرش الجنسي بالأطفال تطفو على السطح بقوة أكبر، مدفوعة بجهود حثيثة من قبل منظمات المجتمع المدني، وبعض الحملات الإعلامية الجريئة التي كسرت حواجز الخوف.

 

وعلى الصعيد القانوني، عزّزت بعض القوانين الإطار القضائي لتجريم التحرش بالأطفال مثل القانون رقم 205 لعام 2020، الذي يجرم التحرش الجنسي بشكل عام، بما في ذلك التحرش بالأطفال، مدعوماً بقوانين سابقة مثل القانون 422 لحماية الأحداث والقانون 293 للحماية من العنف الأسري.

 

وعلى الرغم من هذه التشريعات التي تمثل خطوة مهمة نحو توفير حماية قانونية أكبر للأطفال، لا يزال الطريق أمام الردع النهائي والحاسم لهذه الجريمة، طويلاً بسبب بعض التحديات.
فعلى الرغم من وجود قوانين قوية على الورق، إلا أن تطبيقها الفعال يواجه تحديات، منها الحاجة إلى تدريب مستمر للقضاة ورجال الأمن على التعامل الحساس مع الأطفال الضحايا، وضمان تسريع الإجراءات القضائية لتجنب المزيد من الضغط النفسي على الضحايا.

 

إلى ذلك، ما زال العار الاجتماعي المحيط بضحايا التحرش عائقًا أمام الإبلاغ ورفع الصوت. فالخوف من الحكم، والتنمر، والتأثير على سمعة العائلة، قد يدفع الكثيرين إلى الصمت، مما يترك الجناة من دون عقاب.

 

كما أنه مع الانتشار الواسع للإنترنت والهواتف الذكية، تزايدت أشكال التحرش والاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت، ما يتطلب استجابات قانونية وتقنية متخصصة، وحملات توعية موجهة للآباء والأطفال حول مخاطر العالم الرقمي.

 

أما على صعيد المبادرات التي تعكس التزامًا متزايدًا بحماية الأطفال، فقد أطلقت وزارة الصحة العامة بالشراكة مع اليونيسف في نيسان 2025 أول سياسة شاملة لحماية الطفل لدور الحضانة في لبنان. وتكمن أهمية هذا المبادرة بأنها تضع إطارًا واضحًا لقواعد السلوك، وإرشادات التوظيف الآمن، والتدريب الإلزامي للموظفين، وأنظمة فعالة للإبلاغ والاستجابة.

 

كما كانت وزارة الشؤون الاجتماعية، بالتعاون مع اليونيسف والاتحاد الأوروبي وحكومتي سويسرا وهولندا، قد كشفت في كانون الثاني من العام 2025عن رؤية تحويلية لخدمات رعاية الطفل والأسرة، تركز على الخدمات الوقائية، وتمكين المجتمعات والأسر، وإعادة تنظيم أولويات الوزارة لمعالجة التحديات الاجتماعية المتطورة. هذا التوجه نحو الوقاية والتمكين المجتمعي هو مفتاح أساسي للحد من حوادث التحرش.

 

لا يجب أن يمرّ الحديث عن التحرش بالأطفال مرور الكرام، وكأنه حديث مستجدّ لا حلّ جذرياً له. فنحن هنا نتحدث عن مستقبل أطفال بات مرهوناً بمدى جدية المسؤولين في مواجهة هذه الآفة. فلا سبيل لينعم أطفال اليوم بالطفولة التي يستحقونها سوى بالتطبيق الفعال للتشريعات والوعي المتزايد لمواجهة المجرمين، المتحرشين.