حتى متى سيظل لبنان بعيدًا عن صراع الأسد المتصاعد ووعد صادق 3؟

حتى متى سيظل لبنان بعيدًا عن صراع الأسد المتصاعد ووعد صادق 3؟

ردًّا على سؤال طرحته سابقا عمّا كان قد تغيّر لو أن إيران ردّت على الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية قبل سنة من الآن، وردتني أجوبة كثيرة، من بينها أن فلسطينيي قطاع غزة ما كانوا ليتعرّضوا لما تعرّضوا له من مجازر وتهجير وجوع ومعاناة ما بعدها معاناة، ولما كان أهل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت قد استُهدفوا بخيرة شبابهم وأرزاقهم ومنازلهم، التي دُمرت فوق الرؤوس، ولما كانت اسرائيل قد استطاعت أن تغتال قيادات الصف الأول من القيادات الميدانية في “حزب الله”، ولما كان الامينان العامان لـ “الحزب” السيدان حسن نصرالله وهاشم صفي الدين قد استشهدا بهذه الطريقة الدراماتيكية.








ومن بين الاجوبة الواردة أيضًا: “بشرّ القاتل بالقتل ولو بعد حين”، و” العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم”، ما من طير قد ارتفع إلاّ وسقط كما ارتفع”، العين أصبحت قادرة على أن تقاوم المخرز، وأن مقولة “القبة الحديدية” لم تعد صالحة بعد اليوم وغيرها من التعليقات، التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار. 

ولكن أهم ما وردني، في رأيي المتواضع، تعليق من طفل من جنوب لبنان فقد عائلته بالكامل في عدوان غادر، حين قال بما معناه، إنه شعر للمرة الأولى بأن دماء أهله لم تذهب سدىً، وبأنه مغتبط لأن الخوف الذي اعتراه حين انهمرت الصواريخ على منزله الجنوبي هو الخوف ذاته، الذي عاشه اطفال تل ابيب عندما انهمرت الصواريخ بالقرب منهم، ولكن مع فارق كبير، وهو أن أطفال تل أبيب كانوا في الملاجئ المحصنة، بينما أطفال الجنوب والبقاع والضاحية كانوا عرضة للاستهداف المباشر من دون حماية أو مخبأ يلجأوون إليه.

فلماذا لم تتحرّك إيران في حينه لمساندة فلسطينيي القطاع، ولماذا لم تمدّ يد العون حين احتاج إليها “حزب الله” في حربه المفتوحة مع عدو غاشم؟ فلو هي فعلت قبل هذا التاريخ ولو قامت بما قامت به أمس الأول لتغيّر الكثير من المعطيات الميدانية، ولكانت طهران قادرة اليوم على أن تفرض شروطها في مفاوضاتها غير المباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، ولما كانت المنطقة تقف اليوم على برميل من بارود قابل للانفجار بين لحظة وأخرى، خصوصًا إذا ساور الشك القادة الإسرائيليين بأن لا قدرة لديهم على مواصلة القتال لفترة طويلة على عكس إيران، التي لديها خبرة واسعة في الحروب الاستنزافية الطويلة، على حدّ ما يقوله الخبراء العسكريون.

ويخشى الخاشون من أن تجد تل أبيب نفسها “مزروكة” في زاوية أزماتها الداخلية،  فتلجأ إلى الخيارات الصعبة، وبالأخصّ أن أغلبية الشعب في إسرائيل كان يعارض بشدّة الذهاب بعيدًا في حرب غير محسوبة النتائج الاقتصادية، وأن المعارضة في تل أبيب على أهبّة الاستعداد لمحاسبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على خياراته العسكرية، فيما هذا الأمر غير متاح في إيران، وإن كانت الأزمات الاقتصادية تضغط في شكل متصاعد، ولكن في مقارنة غير متكافئة الظروف، إن لم يطرأ ما يدفع إلى تغيير جذري في الموازين، التي لا تزال تحكم التطورات المتسارعة، فإن الوضعين الداخلي في كل من إسرائيل وإيران متشابهان من حيث تشارك الشعبين الإسرائيلي والإيراني في حالات التململ لما وصلت إليه أوضاعهم نتيجة الخيارات الخاطئة التقدير.

ولا يستبعد المتتبعون لدقائق التطورات المتسارعة أن يصار إلى تدّخل دولي للجم هذه الهستيريا، التي من شأنها أن تجرّ منطقة الشرق الأوسط والعالم إلى حرب عالمية ثالثة. وهذا ما دعا إليه البابا لاوون الرابع عشر، الذي شدّد على ضرورة معالجة الأمور بعقل بارد وبعيدًا عن منطق الحروب، الذي هو نوع من أخطر أنواع الشرور في العالم.

وعليه، فإن الردّ والردّ المضاد قد يطول، وقد تطول معه معاناة من يريد نهاية لهذه الحرب اليوم قبل الغد، مع ما تحمله هذه الحرب من تطورات دراماتيكية لن تكون لصالح السلام، الذي تحدّث عنه البابا الجديد في أول خطاب له بعد جلوسه على كرسي بطرس.

وأسأل مع السائلين أصحاب النوايا الصافية والطيبة: هل سيبقى لبنان محيّدًا نفسه عن الصراع الإسرائيلي – الإيراني، وهل ستبقى ساحته في منأى عن هذا الصراع، الذي يبدو أنه سيغيّر وجه المنطقة وخارطتها؟