الصراع الإيراني-الإسرائيلي وتغيرات خريطة النفط والغاز في المنطقة

الصراع الإيراني-الإسرائيلي وتغيرات خريطة النفط والغاز في المنطقة

لا احد يمتلك الجواب القاطع على ما ستؤول اليه الحرب التي نشبت مؤخرا بين ايران والعدو الاسرائيلي ولكن ما يمكن تأكيده ان استمرار هذه الحرب وتوسع رقعتها قد يرسم خارطة جديدة لموارد وممرات النفط والغاز كجزء من الوجه الجديد للمنطقة فرضته التطورات الاخيرة في المشهد الدولي والاقليمي وبخاصة في دول الشرق الاوسط. وفي هذا الاطار تسود حال من الترقب اوساط مستوردي ومصدري الغاز والشركات المستثمرة في هذا القطاع بعد الهجمات المتبادلة بين ايران واسرائيل والتي طالت منشأتين لمعالجة الغاز على الساحل الجنوبي لايران وهما منشأتان تعالجان الغاز المستخرج من حقل ” بارس الجنوبي” اكبر حقل غاز طبيعي في العالم وثالث أكبر منتج للغاز في العالم بعد الولايات المتحدة الاميركية. وتنتج ايران حوالي 275 مليار متر مكعب من الغاز سنويا اي ما يعادل 6.5% من انتاج الغاز العالمي وتستهلكه محليا نظرا لعدم قدرتها على تصديره بسبب العقوبات وتتشارك فيه مع قطر في الانتاج . هذا بالاضافة الى الهجمات الصاروخية التي طالت خطوط انابيب نقل تابعة لاسرائيل في حيفا جراء الهجمات الصاروخية الايرانية.

الهجمات المتبادلة لاشك انه سيكون لها تداعيات خطرة على ايران واسرائيل بالدرجة الاولى سيما فيما اذا طالت الضربات حقول اخرى في طهران كحقل شانول وحقل كيش للغاز اللذين تعتمد عليهما ايران في سد احتياجاتها الداخلية، والامر عينه ينسحب على اسرائيل حيث اعلنت مؤخرا عن اغلاق حقل غاز ليفياثان في شرق المتوسط وهو مسؤول عن 40% من انتاج الغاز في اسرئيل. هذا بالاضافة الى تعليق انتاج الغاز من حقل كاريش من قبل شركة انرجيان اليونانية. الا انها مع ذلك مازالت تحتفظ بنسبة 40% من احتياجتها من النفط الذي يصلها عبر خط انابيب باكو- تبليسي – جيهان (BTC) الذي يمتد من بحر قزيون عبر اذربيجان وجورجيا وتركيا الى ميناء جيهان التركي، حيث يُحمل بالناقلات الى الموانىء الاسرائيلية.
تلك التداعيات لن تسلم منها ايضا عدد من الدول التي تعتمد على منافذ الغاز والنفط تلك كمصدر لتلبية حاجاتها ومنها مصر والاردن اللذين يستوردان الغاز عبر انابيب حقل ليفياثان لتسييله وبيعه الى الاسواق الاوروبية بسعر مترفع مقارنة بالمادة الخام. قطر ايضا التي تعتبر حقل بارس مصدرا لدخلها القومي. أضف الى ذلك ما تناقلته وسائل الاعلام عن تحذيرات ايرانية جدية بتعطيل مضيق هرمز الذي يمر عبره ربع النفط المنقول بحرا، حيث ستكون اولى اقتصادات الدول المتضررة في حال تعطيله هما اقتصادات دولتي الكويت والعراق باعتباره الممر الوحيد لتصدير نفطها، اما باقي الدول كالسعودية والامارات وعمان فلديها منافذ اخرى يمكن لها الاعتماد عليها للتخفيف من تلك التداعيات كمضيق باب المندب وقناة السويس . هذا الامر ينسحب ايضا على الصين التي تشتري اكثر من 90% من صادرات النفط الايراني وفي حال خسرت هذا الامداد فان انظارها ستتوجه نحو اسواق عالمية اخرى كروسيا، وان يكن بكلفة اعلى من ايران وذلك لتلبية احتياجتها من الطاقة التي هي في الاصل تمثل 20% فقط من امدادات الطاقة الاجمالية. اما على صعيد الولايات المتحدة الاميركية فهي كذلك الامر ليست بافضل حال خاصة مع ارتفاع اسعار النفط نتيجة تلك الهجمات حيث من المتوقع وفقا لما تناقلته احدى الصحف من لجوء الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى استغلال احتياطات النفط الاستراتيجي والسعي لزيادة المعروض من تحالف اوبك + وهذا ما قد يصب في مصلحة روسيا ايضا لناحية خنق اي جهود لكف يدها في حربها على اوكرانيا .
تلك المصائب يبدو ايضا انها فردت فوائد لدى شركات ناقلات النفط التي سجلت ارتفاعا في اسعار اسهمها مع ارتفاع اسعار استخدام ناقلات النفط في العالم بالاضافة الى ارتفاع اسعار عقود الشحن الآجلة بسنبة 15% وفقا لبيانات شركة الوساطة “ماريكس غروب”.
اذا هو مشهد معقد وشديد الخطورة غير واضح منتهاه بين اسرائيل وطهران ويؤسس لمسار جديد في قطاع النفط والغاز، وكما يبدو فان تأثيراته لن تلسم منها اي دولة فكيف بلبنان العالق في شرنقة ازماته الداخلية وغبار حرب لم تنفض عنه بعد، فهو ايضا على موعد مع ازمة جديدة قد تكون الاكثر “حرجاً” بين تلك الدول، والذي يتجسد في كيفية الحفاظ على الساعات الاربع اليومية من الكهرباء التي أمنها عبر دولة العراق مؤخرا بموجب اتفاق مدته 6 اشهر تنتهي في شهر ايلول المقبل في ظل الحرب التي تقع العراق ايضا في دائرتها؟!.