التعيينات الدبلوماسية تواجه تحديات: نزاعات حول اختيار السفراء غير المعينين من الكوادر الداخلية

كتبت دوللي بشعلاني في” الديار”: لم يتمّ حتى الساعة إصدار ملف التشكيلات الديبلوماسية عن مجلس الوزراء، رغم حديث وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي عن أنّها “ستصدر قريباً”. ولعلّ ما يُعيق إبصار هذه التشكيلات المنتظرة النور، في ظلّ عدم حصولها منذ العام 2017، رغم أنّ القانون واضح بشأنها، ليس العراقيل الإدارية، أو العدد الكبير للسفراء الذين يُفترض أن يعودوا من الخارج الى الإدارة المركزية، ولا مسألة الترفيعات، أو بعض المناقلات (التي أقرّها مجلس الوزراء أخيراً بمفردها)، إنّما الخلافات على تعيين السفراء من خارج الملاك، وتفوّق العلاقات السياسية والمحسوبيات على المؤهّلات الأكاديمية والديبلوماسية، وذلك خلافاً لما كان يحصل في أيّام كلّ من وزيري الخارجية الشهيرين شارل مالك وفؤاد بطرس.
فبعد اتفاق الطائف الذي “سحب” السلطة من يدّ “رئيس الجمهورية”، وأسندها “الى مجلس الوزراء مجتمعاً”، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة، تغيّرت الأمور بشكل كبير. فسلطة رئيس الجمهورية قبل الطائف كانت تسمح له بالإمساك بالسياسة الخارجية والدفاعية، بما فيها التعيينات والتشكيلات الديبلوماسية. ولأنّ السفير المعيّن في دول الخارج، كان ممثلاً لرئيس الجمهورية، فإنّ القرار في النهاية معنوياً وفعلياً لديه. لكن الدولة اللبنانية بعد خروج الفرنسيين (أي في زمن الإستقلال)، كانت تحرص على التوزيع العادل للمناصب وتراعي التوازنات الطائفية والإقليمية، على أن ينخرط الجميع في سياسة الدولة. كان وزير الخارجية، يعدّ التشكيلات الديبلوماسية والترقيات، ويعرضها على رئيس الجمهورية، ولم يكن بحاجة إلى توسيع مروحة إتصالاته ليأخذ رضى الزعماء والأحزاب، على ما يحصل اليوم. المهم أن يتفق هو ورئيس الجمهورية لتصدر التشكيلات.
وفي ما يتعلّق بالحكومة الحالية التي يُفترض أنّها “إصلاحية”، يبقى مبدأ المحاصصة معتمداً في جميع التعيينات التي حصلت حتى الساعة، من أمنية وعسكرية وإدارية. وبالنسبة الى التشكيلات الديبلوماسية، فيُعرقلها اليوم التوافق على تعيين السفراء من خارج الملاك. وتلعب “الواسطة” دورها في هذا الإطار، إذ يُسمّي رئيس الجمهورية جوزف عون سفراء كلّ من واشنطن وباريس والفاتيكان، ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي سفراء كلّ من لندن وسويسرا وبلجيكا وطوكيو وقطر، وسلام كلّ من سفراء نيويورك والسعودية والأونيسكو. وتشير الاوساط الى أنّه حتى وإن كانت بعض الشخصيات التي سمّاها الرؤساء الثلاثة، تتمتّع بالثقافة والعلاقات السياسية، غير أنّ بعضها لا يملك المؤهّلات الأكاديمية والديبلوماسية اللازمة لمناصب حسّاسة وكبيرة كهذه.
وتذهب الأوساط الديبلوماسية الى حدّ الإعتراف بأنّ البعض، من داخل أو من خارج الملاك، يختار المنصب الذي يريده إذا كان من المقرّبين من أحد الرؤساء الثلاثة ويتمّ تعيينه فيه، حتى وإن كان ليس من حقّه، بحسب التوزيع الطائفي، فيُصار عندها الى استبداله بموقع آخر. كما أنّ هذا “البعض” يبقى في منصبه لسنوات طويلة في الخارج خلافاً للقانون، تتعدّى الـ 12 سنة أو أكثر، في منصب واحد أو متنقّلاً من منصب الى آخر. ولا حاجة هنا للخوض في الأسماء لأنّ الأمور مكشوفة، وكلّ ذلك لأنّ “الواسطة” لا تزال تتحكّم بالقرارات والتعيينات والتشكيلات “القضائية والديبلوماسية”، ولم يتغيّر أي شيء. علماً بأنّ عدداً من الديبلوماسيين الكفوئين، والذين “لا يفتحون على حسابهم” حيث هم، أي يلتزمون بسياسة الدولة، يبقون في الفئة الثانية من دون أن يتمّ ترفيعهم الى رتبة سفير، وإن قضوا السنوات المطلوبة في عملهم الديبلوماسي، تحت حجج وذرائع واهية.
وفي الملاك الديبلوماسي اليوم 278 ديبلوماسياً، على ما تلفت الأوساط، سيتمّ تعيين 85 منهم رئيس بعثة، في حين أنّ النقص يصل الى 79. وهناك 74 سفارة للبنان في الخارج، من ضمنها 3 بعثات في كلّ من نيويورك والأونيسكو وجنيف. فضلاً عن ضرورة ترؤس سفير لكلّ من مديريات الإدارة المركزية الـ 12 في وزارة الخارجية… أمّا الموظّفون التابعون للملاك، فعددهم الإجمالي 197 موظّفاً. ويعمل اليوم 68 موظّفاً فقط، ما يعني أنّ الخارجية تعاني من نقص يبلغ 129 موظّفاً، وهو ملف آخر لا بدّ من حلّه.