إعادة السوريين: شبكات تهريب تضمن العودة إلى لبنان وتسيطر على الحدود!

كشف مصدر أمني لـ “لبنان24” عن تطور لافت في حركة عبور السوريين بين لبنان وسوريا في الفترة الأخيرة، يتمثل في أن أعداداً منهم غادرت الأراضي اللبنانية في ما بدا أنه “عودة طوعية”، لكن تبيّن لاحقاً أن هذه العودة كانت مؤقتة، إذ عاد العديد منهم مجدداً إلى لبنان، بعد أن تركوا عائلاتهم في سوريا، في مشهد يعكس نمطاً من التنقل الموسمي أو المرحلي، لا الخروج النهائي.
اللافت، بحسب المصدر الأمني، أن عملية الخروج من لبنان تتم عبر معبر المصنع الرسمي، لكن المفارقة تكمن في أن العودة لا تسلك المسار القانوني ذاته، بل تحصل في الغالب عبر معابر غير شرعية تنتشر على امتداد المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من الحدود اللبنانية – السورية. في هذه النقاط الحدودية الخارجة إلى حدّ كبير عن الرقابة الفعلية، تنشط شبكات تهريب محترفة، تتوزع بين البلدين وتعمل بتنسيق وثيق، ما يجعل من عمليات العبور غير الشرعي جزءاً من منظومة تهريب شاملة ومعقدة، تتجاوز مسألة النزوح الفردي، لتدخل في إطار شبكات متكاملة تتحكم بها جهات محلية وأحياناً إقليمية. في موازاة ذلك، تكشف المعطيات الميدانية أن قرار العديد من السوريين بإعادة عائلاتهم إلى الداخل السوري لم يأتِ فقط نتيجة رغبة في “العودة الطوعية”، بل بفعل ضغوط اقتصادية متزايدة بعد تقليص حجم المساعدات الأممية المخصصة للنازحين في لبنان. فقد دفع هذا الواقع العديد من العائلات إلى اتخاذ قرار “تفكيك الإقامة” بين الزوج العامل في لبنان، وبين الزوجة والأبناء الذين نُقلوا إلى الداخل السوري، مستفيدين من تحسن نسبي في الوضع الأمني في بعض المناطق. وهكذا، باتت الصيغة الأكثر شيوعاً اليوم هي بقاء ربّ الأسرة في لبنان بحثاً عن لقمة العيش، وتحويل ما يتيسر من أموال إلى عائلته في سوريا.
وبحسب المعطيات الأمنية، فإن هذه الشبكات لا تكتفي باستغلال الثغرات الجغرافية في الشريط الحدودي، بل تطور باستمرار أساليبها، بحيث تعمد إلى فتح مسالك جديدة كلما شددت الدولة اللبنانية إجراءات المراقبة على المسالك المعروفة، ما يجعل جهود القوى الأمنية في سباق دائم مع شبكات تعرف الأرض جيداً وتستفيد من عوامل عدة، أبرزها نقص الإمكانات، ضعف الغطاء السياسي، وتعدد الجهات المتحكمة بالميدان.
هذا الواقع لا يعكس فقط هشاشة الوضع الحدودي، بل يفضح عمق الأزمة التي يعيشها لبنان في إدارة ملف النزوح السوري. فبينما تُصوَّر بعض عمليات الخروج على أنها “عودة طوعية”، تبيّن الوقائع أنها في حالات كثيرة مناورة ظرفية أو مؤقتة، تؤشر إلى أن المعابر الرسمية لا تؤدي الدور المزدوج المطلوب، أي تنظيم حركة الدخول والخروج وفق المعايير القانونية. والمقلق أن هذه “الحركة الالتفافية” تُستخدم من قبل المهربين كغطاء لعمليات أوسع، تشمل التهريب التجاري، ما يُدخل المسألة في دائرة تهديد مزدوج: أمني واقتصادي في آنٍ معاً.
إن استمرار هذه الحالة يطرح إشكاليات تتجاوز قدرة القوى الأمنية على المعالجة الميدانية، ليحيل الملف برمّته إلى المستوى السياسي – الاستراتيجي، حيث تُصبح الحاجة ملحّة لإعادة النظر في مجمل مقاربة الدولة اللبنانية للحدود، وفي العلاقة الأمنية مع الجهة السورية، خصوصاً أن غياب التنسيق أو الحد الأدنى من الرقابة المتبادلة، يجعل من الحدود الشمالية خاصرة رخوة ومسرحاً مفتوحاً لكل أنواع الاستغلال.
ويضيف المصدر لـ”لبنان24″ أن هذه العصابات تستفيد من الطبيعة الجبلية القاسية للمنطقة، ومن تراجع الإمكانات اللوجستية لدى القوى الأمنية، لاستحداث مسالك جديدة، وهذا ما يجعل من الشريط الحدودي الشمالي منطقة “سائبة” نسبياً، تشكل نقطة ضغط أمني دائم وتحدياً متزايداً أمام أجهزة الدولة اللبنانية.
في ظل هذا الواقع، تبرز تساؤلات حقيقية حول جدوى الإجراءات الرسمية المتخذة لضبط الحدود، وحول مدى فعالية الخطط الأمنية الحالية، لا سيما في غياب حلّ جذري لملف النزوح، وفي ظل غياب الإرادة الدولية لإعادة اللاجئين السوريين بشكل منظم وآمن.