هل بدأ الصراع رسميًا لتعديل قانون الانتخابات النيابية؟!

مع بدء العدّ العكسي للانتخابات النيابية المقبلة، المفترضة في شهر أيار المقبل، أي خلال أقلّ من عام، بدأ الملف يتصدّر دائرة الاهتمام في الأوساط السياسية، حيث يبدو أنّ “المعركة المقبلة” ستتركّز على قانون الانتخاب، في ظلّ “صراع” بدأ يظهر بوضوح بين فريق يريد تغيير القانون الحاليّ مهما كان الثمن، ويطرح قوانين توصف بعضها بـ”الثورية”، وفريق آخر يتمسّك به بوصفه “أفضل الممكن” بالحدّ الأدنى.
لعلّ هذا “الصراع” تجلّى في السجال “غير المباشر” بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع قبل أسبوع، إذ اعتبر الأول أنّ التجربة مع قانون الانتخاب دّلت إلى أنّه قانون “مَسِخ”، قائلاً إنّ “لا مجال للسير به على الإطلاق”، ليسارع الثاني إلى الرد، عبر القول إنّ التجربة مع القانون “ممتازة”، مشيرًا إلى أنّه يؤمّن بنسبة كبيرة صحة التّمثيل، على المستوى الوطني والميثاقي، ومحذّرًا من “التلاعب به”.
وبعد سجال بري وجعجع غير المباشر، جاءت جلسة اللجنة النيابية الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة والمكلفة درس اقتراحات القوانين المتعلقة بالانتخابات، لتناقش “مصير القانون” في العلن، وسط مطالبة للحكومة بتنفيذ تعهّدها بتقديم “قانون عصري للانتخابات”، فهل يمكن القول إنّ “معركة” القانون الانتخابي قد فُتِحت على مصراعيها، وهل حُسِمت مسألة “تغييره” فعلاً، ما يعني أنّ انتخابات 2026 ستتمّ بموجب قانون جديد؟!
لا توافق ولا تفاهم..
لعلّ السجال غير المباشر الذي اندلع بين بري وجعجع كافٍ بحدّ ذاته للتأكيد أنّ لا توافق ولا تفاهم بين مختلف الأفرقاء، على مقاربة موحّدة لملفّ قانون الانتخاب، فبري بدا في كلامه كمن “ينعى” قانون الانتخاب بالمُطلَق، وهو قال صراحةً إنّ “لا مجال للسير به على الإطلاق”، وهو موقف يعكس رأي شريحة واسعة، وتحدّث عن اقتراحات عدّة مطروحة، أيًا كانت وجهة النقاش بشأنها، فإنّ الأكيد أنّها “لن تكون إلّا خارج منطوق القانون الحالي”، وفق تعبيره.
في المقابل، بدت مقاربة جعجع مختلفة جذريًا، فهو نوّه بالقانون الانتخابي، الذي قال إنه أعاد تصحيح التمثيل، وخلّص اللّبنانيّين من المحادل الانتخابيّة، ومن تأثير رؤوس الأموال الكبيرة، وأمّن أفضل تمثيل للبنانيّين في المجلس النيابي، بل أكثر من ذلك، لفت جعجع إلى أنّ هذا القانون لم يطبَّق بعد إلّا على دورتين وبشكل منقوص، وهي مدّة يقول المؤيّدون لوجهة نظره، أنّها غير كافية للحكم على قانون انتخابي، أو للعمل على تغييره كما يطالب البعض.
ولعلّ الأكيد أنّ لكل ّمن الرأيين السابقين مؤيّدين بين القوى السياسية، فموقف بري يشاركه به كثيرون ممّن يعتبرون أنّ هذا القانون لم يصحّح التمثيل، بل شوّهه، بدليل التحالفات الغريبة التي تُنسَج بذريعته، وموقف جعجع يشاركه به أيضًا كثيرون، ممّن يرون أنّ القانون يبقى أفضل الممكن في الوضع الحالي، وهو بنسبيته وإن وُصِفت المشوّهة، بل الأكثرية المقنّعة، أعاد تصحيح التمثيل، وسمح للكثير من المستقلّين بالدخول إلى الندوة البرلمانية.
مشاريع وهواجس..
وكما يغيب التوافق على فكرة “تغيير” قانون الانتخاب، بين بري الذي يريد الذهاب إلى قانون مختلف شكلاً ومضمونًا، وبين جعجع الذي يدعو لبعض التعديلات التقنية البسيطة، من نوع اعتماد البطاقة الممغنطة والميغاسنتر، وتصويت المغتربين في دوائرهم الأصلية، فإنّ هذا التوافق يغيب حتى الآن وفق كلّ المؤشّرات، عن مقاربة القوانين الانتخابية المطروحة، بل ثمّة من يتحدّث عن “تناقض” في المقاربات، يجعل السير بها “متعذّرًا”.
وفي هذا السياق، يستحضر البعض فكرة القانون الانتخابي الذي تطرحه كتلة التنمية والتحرير والذي يقوم على الخروج من الصبغة الطائفية لمجلس النواب، بالتوازي مع استحداث مجلس للشيوخ، وهو ما يرى البعض أنّ المجتمع اللبناني غير جاهز له بعد، بل إنّ هناك من يرى أنّ مثل هذا القانون قد يكون سببًا للمزيد من الصراعات الطائفية، تحت عنوان “الخروج من الطائفية”، وسط هواجس تعبّر عنها العديد من الأطراف.
وأبعد من هذه الهواجس “الطائفية”، ثمّة “توجّسات” يعبّر عنها كثيرون، ولو كان الوقت مبكرًا، من أن يكون الهدف الفعليّ من كلّ الورشة الانتخابية القائمة، والحديث عن تغيير قانون الانتخاب، هو الإطاحة بالاستحقاق المنتظر، بعدما أثبتت “بروفا” الانتخابات البلدية أنّ جهوزية الأحزاب لها لم تكتمل بعد، خصوصًا أنّ الانطباع السائد لا يزال أنّ أيّ تفاهم سيبقى متعذّرًا، أقلّه حتى ربع الساعة الأخير، كما درجت العادة اللبنانية.
تبدو الكثير من السيناريوهات مطروحة في “معركة” قانون الانتخاب، من بينها ألا تفضي إلى شيء، فتجري الانتخابات على أساس القانون الحاليّ، ومن بينها الذهاب إلى قانون انتخابي جديد، وإن كانت أسُسه غير واضحة، في ظلّ التباين في وجهات النظر إزاءه، ومن بينها الاكتفاء ببعض التعديلات على القانون الحالي، وسط أفكار تُطرَح سواء فيما يتعلق بتصويت المغتربين، أو الصوت التفضيلي، ولو كانت بدورها مثيرة للخلافات والتباينات!