غياب الوضوح في موقف التجديد لليونيفيل والصين تسعى لتوسيع وجودها العسكري هناك

استمرت الاتصالات على صعد أمنية وعسكرية وسياسية من أجل احتواء المشاكل التي تزيد وتيرتها بين قوات “اليونيفيل” و”أهالي” القرى الجنوبية، فيما تكثّف الدول المنخرطة في «اليونيفل» حراكها الدبلوماسي مع اقتراب موعد التجديد لمهمتها في نهاية آب المقبل.
ولا تحمل المعطيات المتّصلة بالتحركات والاتصالات الديبلوماسية الجارية ما يحسم الاتجاهات التي يدفع في اتجاهها لبنان ولو مدعوماً من فرنسا وعدد كبير من الدول. واوردت” النهار” أن المناخ الإقليمي الناشئ عن تعبئة عسكرية واسعة في عدد من بلدان المنطقة في الأيام الأخيرة، أثار مزيداً من الغموض المحفوف بتصاعد المخاوف من انعكاسات هذه الأجواء على لبنان بمزيد من التشدد الأميركي حيال كل ما يتعلق بملف نزع سلاح “حزب الله”، كما من الإجراءات المتصلة بانتشار الجيش اللبناني وإجراءاته في جنوب الليطاني وشماله، بعدما تردد على نطاق واسع أن التسريبات المتعلقة باتجاهات أميركية – إسرائيلية لإنهاء دور اليونيفيل لم ترم من فراغ، وجاء تكثيف اعتداءات “الاهالي” عليها في المنطقة الحدودية ليزيد “قناعة” الجانب الأميركي بإمكان إنهاء دورها.
واوردت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين أمس، من أنه على رغم نفي الخارجية الأميركية للمعلومات التي نشرت في الصحافة الإسرائيلية حول إنهاء عمل اليونيفيل في جنوب لبنان، أكد أكثر من مصدر رفيع في الأمم المتحدة أن “عدم يقين كبيرا” يخيّم على مصير قوة اليونيفيل في الجنوب اللبناني المتوقّع التجديد لها في نهاية آب المقبل. وثمة جهات من الإسرائيليين تريد سحبها من الجنوب اللبناني، فيما الولايات المتحدة تشترط تغيير مهمتها وإعطائها حرية تحرك كاملة، على أن تكون مهمتها أقوى للتدخل وإلا لا حاجة لانتشارها حسب إدارة الرئيس دونالد ترامب التي تبحث عن تقليص تكاليف المساهمة في قوات الأمم المتحدة. ومن المتوقع أن يزور لبنان الأسبوع المقبل وفد مسؤول عن قوات حفظ السلام للأمم المتحدة للاطلاع عن كثب على وضع اليونيفيل. وأكدت المصادر الرفيعة لـ”النهار” أن النقاش حول تجديد مهمة اليونيفيل سيكون صعباً ومعقداً في هذه الظروف.
ولن يكون ملف اليونيفيل وموقف واشنطن منه بعيداً من خلفيات زيارة الموفد الأميركي إلى بيروت، سفير الولايات المتحدة الاميركية لدى تركيا توماس بارّاك الاسبوع المقبل، علماً أن المعلومات المتداولة حول مهمته تشير إلى استطلاعه أسباب تأخر لبنان في اتخاذ إجراءات عملية لحصر السلاح بيد الدولة والشروع في الإصلاحات.
وشدد مصدر دبلوماسي رسمي في وزارة الخارجية الفرنسية لـ «نداء الوطن»، على ضرورة تأمين حرية الحركة لقوات «اليونيفيل». واعتبر أن هذه النقطة ليست فقط مطلباً ميدانياً، بل تعكس موقفاً سياسياً رافضاً لمحاولات تقييد عمل هذه القوة. وبالتالي فإن فرنسا تعتبر أن أي قيد على تحرك «اليونيفيل» يقوض تنفيذ القرار 1701.
تصريح المسؤول الفرنسي يربط بين استقرار جنوب لبنان والأمن الإقليمي، بما يشمل لبنان وإسرائيل والمنطقة ككل. هذا الربط يبرز خشية فرنسا من أن يؤدي انفلات الوضع إلى نزاع إقليمي أوسع.
المصدر الرسمي أراد من خلال كلامه الإشارة، إلى أن فرنسا تعد نص مشروع تجديد عمل «اليونيفيل»، وتقوم بالاتصالات اللازمة مع الشركاء الدوليين لضمان حصول توافق عام على بنود قرار التجديد.
وكتبت” الاخبار”: دخلت الصين على خط نادي المؤثّرين، مطالبة بتولّيها مراكز قيادية في «اليونيفل».وبحسب المعلومات، فإن أي أوراق رسمية لم توضع بين يدي الجهات المعنية حول الاقتراحات الصينية، لكنّ التسريبات جاءت من مصادر القوة الصينية في الجنوب.
ويجري الحديث عن مساعي بكين، لاستغلال الأزمة المالية في موازنة القوات الدولية، من أجل عرض توفير تمويل إضافي لقوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان، لتعويض أي نقص ينتج من قرار أميركي بتقليص دعم المنظمة الدولية.
لكنّ الصين، تطالب في المقابل، بأن يتم تعزيز دورها في القوة المنتشرة في لبنان. وتردّد أن الصين طالبت بدور قيادي في بحرية «اليونيفل» إذا كان الأمر متعذّراً في قيادة الأركان والعمليات.
وتشير المعلومات إلى أن الصين تعرض إرسال قطع بحرية متطورة إلى سواحل لبنان، مصحوبة بمنظومة من المُسيّرات الاستطلاعية والرادارات التي تعزّز الدور الرقابي للقوات الدولية.
كما أشارت المعلومات إلى أن الصين مستعدّة لتعزيز قواتها التي تتشكّل من حوالي 500 جندي ينتشرون بين القطاعين الغربي والشرقي ويضطلعون بمهام لوجستية وطبية وإنسانية، علماً أن مشاركة الصين في «اليونيفل» بدأت عام 2008 من خلال فرق تخصّصت بشكل رئيسي في نزع الألغام ومعالجة الحروق. ولدى الكتيبة ثلاثة مراكز في الحنية وشمع وإبل السقي.
لكن يبدو أن الصين تواجه معارضة كبيرة، مصدرها الرئيسي الولايات المتحدة الأميركية، مع استنفار فرنسي وإيطالي وإسباني وألماني معارض بقوة لتعزيز الحضور الصيني في القوات الدولية.
مع الإشارة إلى أنه، منذ تعزيز القوات الدولية إثر العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، تداورت كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا على منصب قائد اليونيفل، باستثناء ولاية وحيدة أعطيت لإيرلندا. فيما استأثرت فرنسا بقيادة الأركان.
وبرغم عدم مشاركة أميركا في «اليونيفل»، لكنها تملك نفوذاً بالغاً من خلال تأثيرها في مجلس الأمن الدولي على قرارات ومهمات حفظ السلام. وبرغم مساهمة روسيا والصين في «اليونيفل»، لكن دون تولي أي منصب قيادي مؤثّر.
حتى إن إسرائيل وأميركا وحلفاءَهما عارضوا تولي شخصية مدنية روسية منصباً متقدماً في الشؤون السياسية قبل سنوات.
مواقف
وفي انتظار بلورة الاتجاهات الخارجية حيال استحقاق التمديد لليونيفيل، مضى لبنان الرسمي في حملة الدفاع عنها، وقام أمس وزير الدفاع ميشال منسى بزيارة لمقر قيادة “اليونيفيل” في الناقورة، والتقى القائد العام الجنرال آرولدو لازارو، في حضور عدد من ضباط “اليونيفيل” والجيش، وعقد اجتماع تم خلاله البحث في الإشكالات بين “اليونيفيل” والأهالي التي تكرّرت في بعض البلدات. وشدّد الوزير منسى على “أهمية تجديد ولاية اليونيفيل من دون تعديلات، فهذا التجديد أساسي للحفاظ على الاستقرار والسلام اللذين رسختهما مهمتكم على مر السنين. ونأمل أن يكلل مساعيكم الحثيثة بالنجاح في تجديد الولاية ما يضمن استمرار عملكم الحيوي في لبنان”. وقال: “لا يمكننا أن ننسى عدوان عام 2006، ولا الحرب الأخيرة المروعة والمدمرة التي حوّلت، على مدى أشهر، الجنوب وجزءاً من بيروت والبقاع ومناطق عدة من لبنان إلى مقابر وأنقاض ودمار، وخلال هذه التحديات الهائلة، بقيتم صامدين، ثابتين على رسالتكم، مدفوعة بنزاهتكم الأخلاقية والتزامكم الإنساني الراسخ”. ودان بشدة “جميع أعمال العدوان ضد اليونيفيل. إن مثل هذه الأعمال لا تخدم سوى العدو من خلال عرقلة المهمة المشتركة التي نسعى بها جميعًا إلى دعمها والحفاظ عليها، واليوم يمر لبنان في مرحلة مفصلية وحاسمة، تتطلب استعادة الاستقرار في الجنوب وعلى كامل أراضيه. يكمن هذا التحدي في التنفيذ الكامل للقرار 1701. وهذا يتطلب التزاماً ثابتاً من جميع الأطراف التي وافقت على القرار منذ عام 2006، من دون أي تأخير أو خرق أو انتهاكات أو تجاهل لإرادة المجتمع الدولي”.
وفي السياق نفسه، أكد المتحدث باسم اليونيفيل أندريا تنينتي “أن قوات اليونيفيل تواصل دعم الجيش اللبناني”، مطالبًا إسرائيل بالانسحاب من جنوب لبنان”. وأضاف “أن الاستقرار في الجنوب هشّ، وبعض الأطراف تؤثر على تحركات “اليونيفيل”، وأن القرار 1701 يتيح لها التحرك من دون الحاجة للجيش اللبناني”. وأوضح أن بعض سكان الجنوب لا يفهمون دور “اليونيفيل”، وأن ما يُقال عن إنهاء مهمة القوات إشاعات لا أساس لها من الصحة”.